حين تتكلم عن عالمية الشريعة وصلاحيتها لكل زمان ومكان ، يقاطعك العلمانيين ليشيدوا بقوانينهم ودساتيرهم الأرضية ،
التى يرون أنها الأكفئ والأنسب لمتطلبات العصر من وجهة نظرهم ، وتَسْير أليّاته ..
فهذا فهمهم ومبلغ علمهم (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ) ..
تصور ناقص خاطئ للحياة الدنيا ، يعتمد على النظرة المادية ، دون أى مرعاة للبعد الأخلاقى النفسى لحركة وطبيعة البشر ..
فالبشر ليسوا تروسا فى ألات تحكمهم قوانين ونظم مادية بحتة كالتى تحكم حركة الألات والماكينات الضخمة ، بل هم بشر لهم مشاعر وأخلاق ولديهم قيم ومبادئ لابد لأى قانون أن يراعيها وإلا وصلنا لما وصلنا إليه الآن من تفكك واكتئاب وأزمات نفسية ...
ومن ينظر بتفحص لتاريخ التطور التشريعى الغربى ، سيرى كيف سلك فى تطوره مسلك مشابه لتطور الألات ،
كتطور عربة الخضار ذات اليد ( الكارو ) مثلا إلى عربات النقل الثقيل الضخمة ، حيث لا تكاد ترى أى تشابه بينهما إلا فى كون كلاهما لديه عجل ..!!
بينما على العكس نجد شرع الله المنزّل حين كان يطبق فى زمن الصحابة والدولة لازالت فى مهدها ، يكاد يتطابق مع النظم التشريعية المطبقة فى ظل مجد وذروة إزدهار الدولة الاسلامية ... !!
إلا ربما فى زيادة قوانينه وتوسع أبواب تشريعاته كنتيجة طبيعية للتطور الزمنى ، وتمدد وتوسع رقعة الدولة بما تحمله من تنوعات واختلافات عرقية ..
و رغم ذلك ظل محتفظا بثبات بنيانه التشريعى كاحتفاظ الطفل حين يكبر برأسه وقدمه وعموده الفقرى مهما تقدم به العمر والزمن ..!!
فنظرة الإسلام للمجتمعات الحيّة تخالف تماما نظرة العلمانيين المادية ..
فالمجتمع فى الإسلام كجسد الانسان الواحد كيان متماسك ذو رسالة له روح وقلب ومشاعر
( كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) .. حديث شريف
ينمو ويتمدد ويكبر ، ولديه هيكل ثابت من القرآن والسنة والإجماع هى بنيانه وعموده الفقرى ، تكسوه وتنمو حوله وتتشعب أراء العلماء والفقهاء بإجتهاداتهم المختلفة ،
التى تتجدد دوما مع تقدم الزمن وتطوره ...
بالمخالفة تماما عن مجتمعات مادية بحتة تفتقد روح الرسالة ، بدأت مسيرتها التاريخية كعربة ( كارو ) إلى أن صارت عربة نقل ثقيل مع تطور الزمن ،
لا تكاد ترى أى تشابه بين بدايتها ونهايتها عبر التاريخ إلا فى كون كلاهما لديه عجل ..!!
نسأل الله العفو والعافية ...

















































