فإن كانت أبصارنا وحواسنا تدرك
الزمان والمكان ، فبالبصيرة التى محلها القلب ندرك البعد الخفى للأشياء ، ونرى
قيمتها الحقيقية فى هذا البعد ووزنها فى ميزان الله ..
وكم من الأعمال العظيمة تدركها حواسنا ، وهى فى ميزان الله وفى هذا البعد _من حيث النيّة والإخلاص_ لاقيمة لها ووضيعة ،
والعكس بالعكس والنصوص فى ذلك كثيرة ...
وعلى ذلك يخطئ من يحصر حركة الإنسان
فقط فى أبعاده المرئية والزمانية ، فالإيمان بالغيب يدعونا لإدرك كنه حركته الصاعدة
والهابطة فى هذا البعد الخفى ، التى تكون بقدر ما يرفعه إيمانه أو تحط خطاياه من
منزلته ..
صعودا وارتقاءً ومحبةً لله وقربا ،
أو نزولا وتسافلا ومقتا من الله وبعدا ...
درجات ومراتب لكل منها حظها من
السعادة ، تزداد مع الترقى والصعود ، وتقل تدريجيا مع البعد والسقوط ، حتى تصل فى
القاع لدركات الضنك والتعاسة والعياذ بالله ..
وكما نرى فى أبعاد عالمنا المرئى من
بذل الجهد فى صعود الدرج وتحمل المشقة من أجل ذلك ، علينا أيضا إن أردنا الإرتقاء
فى مراتب العبودية مع هذا البعد الخفى بذل الجهد وتحمل المشقة ..
وليس فى الهبوط بالطبع على كافة
الأبعاد المرئية كانت أم الغيبية ، بذل أى جهد أو مشقة ،
فليس الهبوط كالصعود ، وليس الترقى كالسقوط ، ولكن يظل
دائما فى الترقى السعادة وفى السقوط الضنك والشقاء ..
فنحن نبذل قصارى الجهد ونتحمل المشاق
من أجل أن نسعد ونرتقى ، نراه جليّا فى حركة كل من أراد بسعيه الدنيا ،
وللسعى للآخرة يكون بذل الجهد وتحمل
المشاق هو المطلوب وهو الأَولى ، كى ننال السعادة الحقيقية الدائمة دنيا وآخرة ،
بينما التفريط والوهن طريق الشقاء
والتعاسة دائما ، سواء كان فى فقر من فرّط فى السعى للدنيا ،
أو حياة الضنك التى هى عين الشقاء لكل
من تخاذل فى سعيه للآخرة ( نعوذ بالله من ذلك ) ،
تلك كانت مقدمة ضرورية مع الأبعاد
الخفية حتى نفهم بعد ذلك ما حقيقة الإبتلاء ؟ ولما كان الأنبياء هم أشد الناس بلاءً
ثم الأمثل فالأمثل ، وإذا أحب الله عبدا ابتلاه ،
وهذا ما سنناقشه بشيئ من التفصيل فى
المرات القادمة بمشيئة الله ..
