السبت، 30 يناير 2016

" النـفـوس ثـلاثـة .. "


النفس الأمارة ، والنفس اللوامة ، والنفس المطمئنة ؟! .. هل هم ثلاثة نفوس ، أم هم ثلاثة درجات يمكن أن تمر بهم النفس المؤمنة ..
الراجح لدى أن كلاهما صواب ؟! .. فهناك نفوس لم تتجاوز حياتها فى الأرض النفس الأمارة ..
بينما نجد نفوس أخرى تجاوزت النفس اللوامة إلى المطمئنة ، وهكذا فهم ثلاثة درجات متعاقبة يعلو بعضها البعض مقاما وتشريفا ، ليس من الضرورى أن تمر كل النفوس بها جميعا ،
ولكن لابد حتما للنفس المؤمنة أن تصل للنفس اللوامة حتى يصح إيمانُها ...

ولو تسألنا عن ماهية تلك الدرجات ، وعن سبب تسميتها بتلك الأسماء ، علينا أن نتذكر كلامنا السابق عن كرسى الإرادة ، والصراع حول العرش ما بين النفس والهوى من جهة ، والعقل والفطرة من جهة آخرى ..
فالنفس الأمارة هى نفس تغَلّب عليها الهوى وتمكن من إرادتها ..
والهوى كما نعلم أعمى ، ان غاب العقل والفطرة يطغى ، ولا يأمر إلا بإسراف أو إنحراف ( عفانا الله وإياكم من ذلك ) ،

بينما النفس اللوامة هى نفس المؤمن بحق _وان لم يكتمل ايمانه بعد _ وهى تراوحه ما بين علوّ صوت الضمير والعقل وبين رغبات الهوى والنفس ،
ويظل الأمر سجالا بينهما ، مع استمرار عملية التزكية طالما الإيمان ينمو ويزيد ،
وقد يحسم الأمر عند من اصطفاهم الله ووجد فيهم همة وعزيمة ، لصالح الضمير والعقل ..

وهنا نصل للطور الآخير والأهم ، للنفس التى أحبها الله لنا وجعل لها مقعد صدق عنده عزّ وجل ، للنفس المطمئنة حيث يحسم الصراع فيها لصالح الضمير والعقل ، ويكون الهوى تابعا لما جاء به الشرع ،
وتكون النفس قد أينعت بعد أن زَكّت ونمت ، وتخلصت من أدران الطبع ، وإلف العادات الذميمة ، وتغول الغرائز والشهوات ، وتجملت بالأخلاق الحميدة ...
حيث اعتدل مزاجها .. وسكن ضميرها .. ورضيت عن ربها .. وقرت عينها فى الجنة ..
( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ) ..

نسأل الله لنا ولكم حسن الخاتمة ..
هناك نقطة أخيرة نحب أن نوضحها جيدا ؛ بين كل من تلك الدرجات الثلاثة الرئيسية درجات ثانوية لا حصر لها ، تكون فيها النفس أقرب لإحدهما من الآخرى ،
فمثلا هناك نفس أقرب ما تكون لللوامة منها من الأمارة ، أو نفس أخرى تكون أقرب للمطمئنة منها من اللوامة .. وهكذا ..

الجمعة، 29 يناير 2016

" الإبتلاء يولد معنا "


الإبتلاء يولد معنا .. يولد ويظل كامن داخل كل واحد منا منذ أول نفس نتنفسه على الأرض ..؟!
بإستثناء قلة قليلة من أصحاب العاهات ( شفاهم الله وعفانا ) نولد بصحة جيدة وجسم سليم ، فليس الإبتلاء الذى يولد مع كل واحد منا يأتى من هنا ،
ولا من المعاناة بسبب فقر الوالدين ، أو أن يكون قدرك أن تولد فى مجتمع تتنازعه الصراعات والحروب ،
ورغم عموم البلاء بهذا وشيوعه فى أمتنا _نسأل الله أن يأذن برفعه قريبا عنا ويرحمنا _ إلا إنه ليس هو الإبتلاء الذى حتما ولابد يولد مع كل واحد منا ، ولم يُعافى منه ويكفيهم الله مؤونة مجاهدته سوى الأنبياء ؟! ..
فما هذا الإبتلاء يا تُرى ؟! ..

هذا الإبتلاء ببساطة هو ما غرسه الله فيك ، وتلبست به ، وأصبح أقرب الأشياء إليك ..
هو أنت ؟! نفسك التى بين جنبيك !! التى كلّفك الله بإصلاحها وتهذيبها وأعطاك الإمكانيات الكاملة لذلك ، وسخر لك ما فى السماوات والأرض ..

( ونفس وما سواها .. فألهمها فجورها وتقواها .. قد أفلح من زكّاها .. وقد خاب من دساها )
لديك غرائز تعلمت فى دين الله كيف تُرشّدها ،
ولديك طباع سيئة جُبِلَت عليها موجودة فى چيناتك ، عليك أن تسعى جاهدا للتخلص منها ،
وأعطاك صفات حميدة فى خلقتك كى تزكّيها وتنميها ،
وأيضا عاداتك التى اكتسبتها من بيئتك عليك أن تزنها مرة آخرى بميزان الشرع ..

فأنت فى مهمة محددة المعالم والوقت ، وهى من جهة الله تكليف وأمانة ، ومن جهتك ابتلاء واختبار ،
وكل ما تواجهه فى حياتك من عقبات ، أو تخوضه في الدنيا من امتحانات وابتلاءات ، وتلاقيه من العنت والتحديات ،
هو بمثابة الوقود الدافع للجهاد الحقيقى ، والملاحم الكبرى بداخلك ؟!
جهادك مع نفسك وطباعك وغرائزك ، التى تُسَعَّر معاركه كل يوم ، ولا يسمع ضجيجها إلا أنت ..!!

وجهادك كما يتأثر بما يجرى حوله ، يؤثر ؟! .. يؤثر ، ويبدل ، ويغيّر .. ويبنى ، ويزيل ، ويجدد ..
(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
فمن داخلك تُبنى الأمم ، ومن داخلك أيضا إن كانت خواء .. تُزال أمم .. نسأل الله العافية ،

نسأل الله أن يهيئ لهذه الأمة أمر رشد يعزّ فيه أهل طاعته ، ويذل فيه أهل معصيته ، ويؤمر فيه بالمعروف ، وينهى فيه عن المنكر ، اللهم أذن لشرعك أن يحكم وأن يسود ،
اللهم آمين ..

الخميس، 28 يناير 2016

" القيم والمعتقد "


تختلف اهتمامات الناس اختلاف بيّن ، فلكل فرد منا اهتماماته الخاصة التى يسعى جاهدا لتفعيلها فى الحياة ..
والاهتمامات هى قيم مشتركة تتفاضل الناس فى أولوياتها ، كما تتفاضل فى سلوكها نحوها وطريقة تحصيلها ..

(فالمال ) قد يشترك فيه اثنين باعتباره قيمة أولية يسعى كل منهما لتحقيقها فى الحياة ، ولكن هناك من يسلك طريق العمل والتفانى ، والآخر يسلك مسلك الغش والخداع ..!!
وهذا يرجع فى الأساس إلى اختلاف منطلق كل واحد منهم لتلك القيمة ( العقيدة ) ، والتأثير الحتمى لتلك ( العقيدة ) فى السلوكيات ...

( العقيدة ) هنا لا تمثل الدين الذى يعتنقه كل منهما بقدر ما تمثل فهم كل منهما لهذا الدين ؟!
فقد يكون لديهما نفس الديانة ، ولكن شتان شتان بين فهمهما لحقيقة هذا الدين ..!!

هنا ندرك تأثير الصراع الداخلى مابين الفطرة والمنطق من ناحية ، والهوى من ناحية آخرى ، ومدى تأثر ( المعتقد ) بنتيجة هذا الصراع ..
وعندما يكون المعتقد السليم الناتج عن الفطرة والمنطق هو المنطلق الذى تنطلق منه القيم ، تحدث حتما التزكية ..
فالتزكية تحدث مع الممارسة الاعتيادية للقيم النابعة من معتقد سليم ،

وأى عملية لفرض قيم جاء بها الدين على الآخريين ( كالأبناء مثلا ) مع اغفال البعد العقدى وتأصيله قناعاته فى قلوبهم ، لن يأتى أبدا بتزكية بل يأتى بعميلة عكسية تماما يأتى ( بكبت ) ينتظر الانفجار فى أى لحظة ..!!
فعملية زرع القيم لا تأتى بالتربية عن طريق التعود فقط ، بل يجب أن يصاحب ذلك بالتوازى دائما تأصيل المعتقد فى القلوب ،
اللهم اهدى بناتنا وأبنائنا ، وأعنا على تربيتهم واحفظهم من كل سوء ...

الأربعاء، 27 يناير 2016

" الهوى واللامنطق "


هناك دائما طريقتان لشرح أى مسألة ، الأكثر تداولا والمتعارف عليه أن تبدأ بالنقاط الرئيسية والمبادئ الأساسية ، ثم تفند وتفصل الواحدة منها بعد الآخرى فى تسلسل طبيعى منطقى ،
أما ما قمنا به فى شرح طبيعة النفس ومكوناتها ، أن اتبعنا الطريقة الآخرى فى الشرح بالخوض مباشرا فى صلب الموضوع متجاوزين التسلسل والتمهيد الطبيعى للمسألة ، وخلال تناولنا لصلب الموضوع نمضى ونفند مكونات النفس البشرية ، وماهى طبيعة عمل كل واحدة منها ؟!
ثم نختم المسألة بذكر التقسيمات الأساسية للنفس وعناصرها الرئيسية ، التى كان ينبغى ان كنا اتبعنا ( الطريقة الأولى ) فى الشرح أن نذكرها أولا ..!!

* فهيا نستكمل معا ما بدأناه سابقا فى تشريح النفس ومكوناتها ، ونمضى على نفس المنوال فى طريقتنا للشرح ، ونتسائل كيف للعقل أن يكون عند كثير من الناس خاضعا للهوى ؟!
العقل يعنى ( 1+1=2 ) أى هو المنطق ، فكيف يمكن للمنطق أن يخضع للهوى ؟!
الإجابة واضحة المعالم أمامنا ، وما نراه من تطبيقات للمنطق فى المجالات العلمية المختلفة عند أهل الهوى ، التى هى السبب الرئيسى وراء تقدمهم الحضارى والتقنى ، ترجع فى الأساس كون المنطق وراءه مصلحة ؟!
فحين تكون المصلحة يُقَدّم الهوى المنطق ، أما إذا تعارضت المصلحة مع المنطق يتبنى الهوى اللامنطق !!
نراه ذلك واضحا فى سجود أغلب البشر وإيمانهم العميق بالشجر والحجر والبقر ، فى سعى منهم للتفلت من التكاليف والأوامر الربانية .. نسأل الله العافية
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

* وننتقل مباشرا إلى سؤالنا التالى وهو عن الفطرة ، وكيف يختلف موقعها عند الحيوان عن موقعها فى نفوس البشر ؟! ..
بالتأكيد هناك اختلاف .. فالفطرة عند الحيوان حاكمة لا يستطيع أبدا الخروج عنها ، ولكنه يمكن لهواه فى بعض الأحيان تجاهلها ؟
( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم )
فنعلم أن هناك فى عالم الحيوان شيئ من الظلم والخيانة والبغى والكذب ناتج عن مخالفتهم فى بعض الأحيان لفطرتهم ، التى تأمرهم ولابد بالعدل والإنصاف والوفاء والصدق !!
وإلا كيف نفهم أنهم يُحشرون ويحاسبون ؟! .. ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون )

( لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء -التي بدون قرون- من الشاة القرناء ) .. رواه مسلم
ولكن هل يستطيع الحيوان الخروج عن فطرته ؟ هل يمكنه فعل ما فعله بنى الإنسان من الكفر ، والجحود ، والشذوذ ، والخروج عن طبيعة وظيفته التى وضعها الله فى فطرته من النفع والاصلاح إلى التدمير والإفساد فى الأرض ..
فالإنسان وان كان يمكنه مخالفة الفطرة وتجاهلها أحيانا كالحيوان ، إلا إنه يزيد على ذلك طغيانه والمروق من فطرته بالكلية ، إن أساء استخدام إرادته الحرة التى أودعها الله فيه على سبيل الأمانة _ نسأل الله العافية _ والفرق بين المروق والمخالفة ، كالفرق ما بين الكفر والمعصية ...
وإلى مزيد من سرد أسرار النفس وأغوارها المرة القادمة بإذن الله ...
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ

ملحوظة ( 1 ) :_ ( الكذب ) فى عالم الحيوان نجده فى كتاب الله عز وجل فى قول سليمان عليه السلام للهدهد ( قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين )
ملحوظة ( 2 ) :_ الحيوان ليس ( مكلّف ) فلا يثاب يوم الحساب ولايعاقب كبنى الإنسان ، ولكنه يقتص منه فى ظلمه لبنى جنسه ثم يصير تراب ...

الثلاثاء، 26 يناير 2016

" وفي أنفسكم أفلا تبصرون "


( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) .. سورة الذاريات
تفحص النفس وإكتشاف أغوارها لهو مطلب حياتى قبل أن يكون واجب شرعى ،
فأغلب أوجاعنا ترجع أساسا لإعتلال النفوس قبل اعتلال الأبدان ، ولا تكفى أبدا المعرفة السطحية بما هو المطلوب لصحتنا النفسية فى مواجهة الضغوط ومشاكلنا اليومية ..
فإذا أصيب أحدنا بمرض فى جسده ( نسأل الله العافية ) اشتكى سريعا محددا اسم العضو المصاب فى جسده ، نظرا لشيوع معرفة الجميع بأعضائهم الداخلية ،
بينما لا نجد إلا أقل القليل من يعرف ويحدد سبب اعتلال مزاجه وضيق صدره ،

حتى من علم أن شفاءه فى اللجوء لخالقه والتقرب إليه ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب) .. سورة الرعد
هل علم ما طبيعة الطاعات من (صوم أو صدقات أو صلة رحم ..أو غيرها ) التى عليه الإكثار منها حتى يشفى من مرض محدد فى نفسه ، ولا هو أصبح كالمريض الذى لا يدرى عن العلاج إلا أن عليه بالدواء ؟!

فشفاء النفوس بالطبع فى طاعة الله والتقرب إليه ، ولكن لكل علة فى النفس دواءها فى منهج الله ؟

فهناك الشهوانى المسرف ، وهناك الغافل .. وهناك الشحيح البخيل أو المغرور المتكبر أو .. أو .. ، ولكل من هؤلاء ما يناسبه فى منهج الله ..
فالشهوانى علاجه الصوم مثلا ، وفى الذكر والصلاة علاج الغفلة ، والشحيح علاجه الإنفاق على الفقراء ، وصلة الرحم علاج الكبر والغرور .. وهكذا ..
فلنتعرّف على أنفسنا أولا من خلال كتاب الله وسُنة رسوله ،
من ثَم سنجد طريقنا ممهدا بعدها بمشيئة الله للعلاج الشافى ،
عفانا الله وإياكم من شر الضيق والهم .. والله المستعان

الاثنين، 25 يناير 2016

" الإرادة الحرة والتكليف "


التكليف وارتباطه بسن البلوغ ، وتعليل ذلك بإعتلاء ( العقل ) عرش الإرادة عند هذه السن وإدارته للأمور بدلا عن ( الهوى ) ، لهو طرح يفتح لنا الآفاق لأبعاد ورؤى جديدة ...
فلا يمكنى تصور الآن أن مجرد ( العقل ) هو الفرق الجوهرى بيننا وبين الحيوان ، نعم مُيزنا عنهم والحمد لله بعقول موسوعية جبارة ، ولكن الأهم من ذلك تميزنا عنهم بالإرادة الحرة ...
إرادة ليست كإرادة الحيوان ؟! إرادة تتمثل فى استقلالية العقل عن سيطرة الهوى واعتلاءه لسدة الحكم ، وتمكنه من الإرادة ( وذلك فى حال جنوحه نحو الفطرة ) ...
بينما الحيوان تظل إرادته وعقله طيلة حياته خاضعة تماما لهواه ؟ مثلهم مثل الأطفال قبل مرحلة البلوغ رغم التفاوت الكبير بينهم وبين الأطفال فى العقول والمشاعر ..

لكن السؤال الأهم هنا ، ماذا وراء تمكن عقل الإنسان البالغ من الإرادة ؟! ..
الإجابة ببساطة تكمن فى التزكية .. فالإنسان البالغ هو القادر وحده بإرادته الحرة التى وهبها الله له ، من تحدى بيئته وعاداته وتقاليده حتى غرائزئه وطباعه الموروثة ، وأن يتجاوز كل هذا وينشئ له كيانه الخاص ، وأن يكون له شخصية منفردة جديدة ..؟!
( ونفس وما سواها .. فألهمها فجورها وتقواها .. قد أفلح من زكاها .. وقد خاب من دساها )
فعند اعتلاء ( العقل ) للهوى ومع استحضار الفطرة تحدث التزكية ...

بينما حين تضعف الهمّة أمام الغرائز والشهوات ويعتلى الهوى ( العقل ) ،
تعلو ( ال أنا ) وتتغول الغرائز فى النفس ، وتذبل الفطرة ( الضمير ) وتموت معها الطباع الحميدة ...

( إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى )
بل يصبح الإنسان أسوء حالا بكثير من الحيوان ، وذلك لأن الفطرة عند الحيوان لا تموت أبدا ، وتظل حاكمة على الهوى فلا يطغى ويخرج عنها ..

بينما الإنسان حين يستقل الهوى بالإرادة يسارع فى الطغيان ولا تقف أمامه فطرة ولا عقل ، وهو القاتل لفطرته بتنكره الدائم لها وخروجه عنها .. ( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا )
والخلاصة إرادتك الحرة إما تكون نعمة وسببا لترقيتك عن طريق التزكية ، أو نقمة وسببا للإرتكاس _والعياذ بالله_ بالخروج عن العقل والفطرة .. نسأل الله لنا ولكم العافية ..
وإلى مزيد من التفصيل فى المرات القادمة بإذن الله ..

الأحد، 24 يناير 2016

" البلوغ والتكليف "


ما الأمر الطارئ الذى يحدث عند البلوغ ليصبح الإنسان بعدها مكلّف .. ؟!
سؤال أعيانى التفكير فيه ولم أجد فى جميع ما قرأت إلا إجابة واحدة " أن البلوغ هو مرحلة النضوج العقلى " ..
أى أن النضوج العقلى هو بداية التكليف ، وهذا ما أقره حقيقا ولا خلاف لى مع ذلك ،
لكن ما يحيرنى أن البلوغ أمرا طارئا أشبه بعملية الولادة فهل يسرى ذلك أيضا على النضوج ، أن تولد العقول ناضجة فجاءة فى رؤوسنا بين عشية وضحاها مع البلوغ .. .؟!

أعتقد أن هناك أمرا آخر مع عميلة النضوج العقلى وراء ارتباط التكليف بالبلوغ ، دعنا لنتعرف معا عليه ، ولنبدأ بالإستعانة بالله :_
1. أنت اثنين فى واحد ..
-------------------------
فنفسك تتألف من شريكين رئيسين يتنافسان على إرادتك ،
*أمير الوجدان والمشاعر .. ( الهوى )
*أمير الوعى والإدراك .. ( العقل )
وعندما يجلس أحدهما على كرسى العرش الذى يمثل الإرادة ، يصبح الأمير الآخر معاونا وخاضعا له ..
----

2. ( الهوى ) وَصىّ على العرش قبل البلوغ ..
-------------------------
ففى مرحلة الطفولة وماقبل البلوغ يجلس الهوى متربعا على كرسى العرش الذى هو الإرادة ، كوَصىّ على المُلك وليس المَلك ، إلى أن يكبر الملك الحقيقى وينضج الأمير الصغير الذى يدعى العقل ..
فالعقل هو الوريث الشرعى الذى أراد الله له عند البلوغ أن يمتلك فى النفس البشرية الإرادة ، وان يكون الهوى خادما معينا له ..
----

3. عند البلوغ يعتلى ( العقل ) العرش ..
-------------------------
وكل مانراه فى مرحلة البلوغ من تغيرات عاطفية ونزعة للتمرد على كل ما هو قديم راسخ فى النفس من مفاهييم وعلاقات وتقاليد ، يرجع فى اساسه إلى الإنقلاب الذى حدث على كرسى العرش ومراجعة العقل لكل الدفاتر القديمة .. !!
فتلك الانتفاضة هى بداية التكليف عند الإنسان ، وأيضا بداية البحث عن شريكة الحياة ..
----

4. الملكة ( أميرة ) من حرملك المشاعر والوجدان ..
-------------------------
فمن داخل حرملك المشاعر والوجدان ، أطلت أميرتان من خلف الستار كاشفة كل منهما النقاب عن وجهها ، وتُمنى نفسها أن تصبح الملكة ..؟!
لكن شتان مابين الطين والسماء ، مابين من أرسلها ( الهوى ) للملك الصغير حتى يقع فى غرامها ويسترد من خلالها الملك مرة آخرى ،
وبين أميرة نقية طاهرة التى طلما تجاهلها ( الهوى ) ونبذها فى فترة حكمه ،
الأميرة النقية الطاهرة التى ستكون إن تُوّجت ، أفضل شريك ( للعقل ) الملك الصغير ، وأفضل معين له لإعادة ترتيب شئون مملكته ، واستمرار حكمه ، ومنع ( الهوى ) من الاستيلاء مرة آخرى عليه .. !!

أعتقد انكم تتوقون الآن لإسم الأميرة التقية النقية ؟ ..
أميرتنا التقية النقية ألا وهى ( الفطرة ) .. ، أما الأميرة التى جندها الهوى لغواية الملك الصغير حتى يسترد منه ملكه مرة آخرى فهى ( الغريزة الجنسية ) ..

بالطبع كان هذا السرد للتبسيط ، وفى المرة القادمة سنحاول التفصيل بطريقة علمية بإذن الله ، نسأل الله السداد والتوفيق ..

السبت، 23 يناير 2016

" اعتدال المزاج "


اعتدال المزاج هو المطلب الرئيسى وراء كل نشاطنا اليومى ،
فنحن دوما نبحث عن السعادة والطمأنينة والرضا والسكينة ، ونكافح لندفع عنا الكأبة والقلق والتسخط والإضطراب ..
نأكل .. نشرب .. نعمل .. نلعب .. إلخ ، فى سعى متواصل نحو الصفاء الداخلى ، واعتدال مزاجنا النفسى ..

والمزاج واحد من حيث تكوينه لدى جميع البشر ويتألف من عناصر أربعة ، لكل عنصر من تلك العناصر حدين متقابلين تتقلب بينهما حالتنا المزاجية :_
1- من السعادة إلى الكأبة ......
2- الرضا - التسخط ......
3- الطمأنينة - القلق ......
4- السكينة - الاضطراب ..
لتتفاوت النفوس فيما بينها من حيث الحالة المزاجية ، ويصبح لكل منها سمتها الخاص الذى يميزها ،

وإن كان المزاج يعد دائما من المشاعر ، إلا إنه يختلف عنها فى كونه مستديم لفترة أطول ومستقر ،
فالمزاج خط مشاعر مستديم فى خلفية وأعماق النفس ، راسخ ومستقر فى الوجدان ، تتدفق من فوق سطحه أمواج من المشاعر العابرة المتولدة من الأفكار والأحداث اليومية ، التى ما تلبث أن تذهب وتختفى ويظل المزاج مستقر فى الخلفية ..

فسيل المشاعر المتدفقة يوميا من فرح وهم ، ومحبة وبغض ، وشفقة وغضب .. إلخ ، تؤثر على المزاج بصورة مؤقتة ولا تغيره بصورة مستديمة ، كما انها أيضا ليست هى الصانعة له ؟!
فالمزاج صنيعة المعتقد الذى يختلف بحسب اعتقاد كل واحد منّا ، ومدى تفعيلنا لقِيَّمه التى نحملها ونؤمن بها فى الحياة ..
فقد وصف المولى عزّ وجل حياة المؤمنين فى الدنيا بما فازوا به من طمأنينة ورضا واعتدال لمزاجهم العام ، بالحياة الطيبة ..
( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة )

بينما نجد عقوبته لمن أعرض عن ذكره بأن سلبه صفاءه النفسى وكدّر عليه مزاجه العام ..
( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا )

هذا فى أعماق النفس البشرية وفى المشاعر الراسخة فى الوجدان التى يطلق عليها المزاج ،
وليست للمشاعر العابرة التى تتولد معنا بصورة مستمرة فى حياتنا اليومية ، التى لا هى المقياس ولا تعبر أبدا عما يعيشه الإنسان فى داخله من شقاء أو سعادة ...

فالشقى يفرح ويستمتع ويمرح ، لكن يظل فى قرار نفسه شقى ،
والسعيد يحزن ويبكى ويغضب ، لكن يظل فى قرار نفسه سعيد ،

نسأل الله أن نكون وإياكم من أهل السعادة ..

الجمعة، 22 يناير 2016

" الإنسان كتلة مشاعر "


الإنسان كتلة مشاعر .. وهى حقيقة سعادته أو شقائه ،
والجسد الخالى من المشاعر هو جسد ميت بلا شك مهما تنوعت مصادر لذاته ..
فالجسد لا يُنعّم ؟! فهو مجرد ألة نستشعر بها الأشياء من حولنا ، وينتقل من خلالها الاحساس بعد ذلك إلى النفس وتتولد المشاعر...
فالنعيم نعيم النفس .... والشقاء شقاء النفس وإن تنعم الجسد ..

فمشاعر المحبة والرضا .. والشفقة والرحمة .. أو مشاعر التسامح والإنصاف والمودة إلخ .. كلها مشاعر روحية بعيدة تماما عن اللذة الحسية ، ولابد لنا من مشاركتها مع الآخريين حتى ننعم معها بنفس مطمئنة وحياة طيبة فى الدنيا قبل الآخرة ..
وكلما استغرقتنا محبة الذات ومحبة ملذاتها ، حُشرنا فى بوتقة الجسد بما فيه من كتم المشاعر وخنقها ..
فالمشاعر لاتنمو وتنشرح إلا من خلال تواصلها بمشاعر الآخريين والتناغم والانسجام معها ..
ومهما بلغ الجسد ذروة النشوة عن طريق التنعم بالملذات والاستمتاع بها ، لن يغنى ذلك عنه شيئا ، ما دام لا يستشعر معها مشاعر الدفئ والحنان والرحمة والمودة ...
مشاعر يفتقدها من نصرة لمظلوم ، أو طُعمة لجائع .. أو إغاثة ملهوف وعفو عن الناس ، أو تتجلى فى برّه بأهله وإخوانه ، هكذا تكون الحياة وهكذا تكون السعادة ..

وإن كان الصدق مع النفس والإخلاص هو قوام كل ذلك ، فهناك الكثير من المخادعين الذين لايخدعون الآخريين بقدر خداعهم لأنفسهم ؟!
فكيف نفهم مثلا تجمل أحدهم لمن حوله بأخلاقه مع إسائته لأهله ،
أو آخر يتفانى فى بذل العطاء لأهل بيته وهو عاق لأمه ،
أو أضلهم سبيلا الذى لا تغادر البشاشة وجهه ومتسامح مع كل الناس وهو غافل تماما عن ربه ؟!! ..
غافل عمن خلقه ، وخلق وجدانه ومشاعره ،
جاحد لمنبع المشاعر النبيلة فى الكون كله ،
ويذهب ليستجدى من الأخريين مشاعر المحبة والمودة بأن يبادر ببذل مشاعره المزيفة نحوهم حتى يبادلوه بمثلها .. !!
فيملئ خواء نفسه ، ويعمر خراب قلبه ، ويأخذ من مشاعر الناس مايؤنس به وحشته ..؟!
فأنّى له ذلك ؟ وهى خواء فى خواء ، وخراب فى خراب ، وظلمة فوق ظلمة ...
فلن يزيده الماء المالح إلا عطشا ..!! ولما الماء المالح ؟ ومحبة الله وما يحبه الله ماء فرات يملئ ما بين السماوات والأرض ...

لايعرف معنى المحبة من لا يعرف ربه ..
لا يعرف معنى السعادة من غفل عن ذكر ربه ..
لا يتجرع إلا الشقاء إلا من جحد فضل وإحسان ربه .. نسأل الله العافية ..

الخميس، 21 يناير 2016

" مــولــود جــديــد "


خطوات الأمس هى نفسها خطوات اليوم ، وغدا وبعد غد .. ماالجديد !!
وعطلة نهاية الإسبوع لازالت هناك بعيد ..
الوجوه تتشابه .. والكلام على نفس الإيقاع .. وعمرى يجرى ،
ويبدو أن العمر هو المارق الوحيد ..
يــاالـــهــــى !!
أشــــتــاق .. أشــــتــاق لـرؤيــة مــولــود جــديــد ..
يذكرنى بك ربــى .. ويُحـيـى فيا الأمل من جـديـد ..

أشـــتاق لأول خيط ضوء يـشـق فى الفجر السماء ،
أو صرخة مولود أطـل برأسه حديثـا بين الأحيـاء ،
أو عودة شقى وتوبة فاجر وقد أجهش طويلا فى البكاء ..
أشتاق لمولود جديد يذكرنى بك ربــى .. أشتاق وأشتاق ..

الكثير منا كونه ولد مسلما يظن أنه طرق أبواب الجنان ، ألا يعلم المسكين أنها نعمة كغيرها من النعم تدوم بالشكر وتزول بالجحود ..؟!
نعم ولدت مسلما تتكلم العربية لغة القرآن ، فى مجتمع يدين أغلب أهله بالإسلام ،
ولكنها دفعة لك قوية على طريق البداية لابد أن تستثمرها ، حتى تصل آمناً فى نهاية الرحلة وتطرق أبواب الجنان ..

مابين الحياة والموت ، والصحة والمرض .. مابين السعادة والشقاء ، والفرحة والنكد .. يكمن معنى الحياة ..
البحث عن معنى الحياة هو سفينة النجاة ..
سفينة نوح لقلبك حتى تصل لصخرة اليقين وشط الإيمان ..

وكل ماعدا ذلك من أمور وأحداث ، إما تستغرقك فتغرق !!
أو تسمو فوقها على ظهر سفينة الصبر حتى تصل لجنة الســماء ..

الأربعاء، 20 يناير 2016

" جـريـمـة برضـا الطـرفيـن "


حذارى أن يسرق منك .. ؟!!
ستتلقفه اللصوص بمجرد أن يطل عليهم من بين الضلوع ولن تلاحقهم .. مهما لهثت خلفهم سيسبقوك ولن تلحقهم ؟! ..
ستلهث وراء الأموال وقد دسوه فى محافظهم .. وتلاحق المظاهر والجاه بعد أن أخفوه فى ملابسهم .. ووراء النساء وقد ربطوه فى ضفائرهم .. !!
وأنّى لك أن تلحق بمن سلب قلبك ، ولو ضاع عمرك كله وأنت تطاردهم ..!!

---
* القلب حين تملئه الشهوات والهوى يكون فى خفة الطير ( فى هلعه على الدنيا ) ، وأحلام السباع ( فى سرعة الغضب ) ..
ولن يستطيع الصدر بكل ما احتواه من أضلع أن يحتويه ويمنع تفلته ... والخاطفين فى ترقب وصوله وهروبه إليهم .. !!
فهل أجرموا بعد ذلك إن سرقوه ؟ وهل القلب المفتون يطلق عليه ضحية ؟!!!

---
* مسكين أنت يا ذا القلب الفارغ .. شقىٌ أنت وراء قلبك الجامح .. تعيسٌ فى لهثك خلف كل سارق وخاطف .. !!
لا عمل صالح فى القلب يُرسيه .. ولا دعوة فقير تُهَدّئ من طيشه وتبقيه .. ولا عزم من تقوى تربطه فى جذع الإيمان فتنجيه .. !!

وحسبُك هذه الآية .. ( إن كادت لتبدى به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين ) .. فلو رضى عنك لثبتك وعصمك .. نسأل الله السلامة

الثلاثاء، 19 يناير 2016

" حـتـى المــلائـكــة تــســــأل "


الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. لا إلاه إلا الله والله اكبر .. الله اكبر ولله الحمد..
ولله الحمد بعدد ورق الإشجار..
وله الحمد بعدد ذرات الرمال ، وأمواج المحيط ، وقطرات الأمطار.

حمداً لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وبفضله تُحصل الدرجات ، وبسعة عفوه تُحط عنا الخطايا وتُكَفّر السيئات ,
الحمد لله على تمام الشهر وكمال الفضل ..
 

بالأمس كنا نتظره بالأشواق ، ومالبث أن رحل عنا سريعا ، وها نحن اليوم مع فرحة الأعياد ، فالحمد لله الذي أتم علينا نعمة الصيام والقيام ..

للعيد فرحة .. ولنا مع فرحة العيد أعظم فرحة .. هدية من السماء تفضل الله بها علينا .. ومنّة كبرى وباب علم لم أكن أتصور أن يفتح هكذا فجاءة وبكل تلك السلاسة والحلاوة ونضارة الإيمان ، أسأل الله لنا ولهذا الأخ الكريم _الذى لا أعرفه إلا من كلامه_ الفردوس الأعلى ..

هدية من السماء لكل باحث عن أنوار الحكمة .. لم تأتينا على لسان معمم أزهرى ، ولا شيخ سلفى ، ولا حتى لسان فصيح عربى ؟! .. بل جاءت على لسان أعجمى .. نعم أعجمى حتى الآيات نراه لا يتقن قرائتها بالعربية فى هذا الفيديو بعد ..
ولكنها لقلب نحسبه عمر بالإيمان _والله حسيبه ولا نزكى على الله أحد _ واستضاء بنور القرآن .. وتقاطر العطر من فمه بذكر الواحد الديّان .. الله أكبر


لتسلسل أفكاره .. والبساطة فى طرحها .. والإجابة على أصعب الأسئلة وأهمها ، موهبة .. منّ الله بها عليه ، ومنّ علينا أن وفقنا لرؤيته وسماعها ..

فلنستمع معا لتلك المحاضرة الرائعة أولا ، ولنا معها بعد ذلك بمشيئة الله وقفات ووقفات ، ولكنّى حقيقا أخشى أن يعجز قلمى عن الكتابة بعدها ..
 

فلنستمع الآن ..
 https://youtu.be/JpVa34Tj4rE

الاثنين، 18 يناير 2016

" أبـعـــــاد مـخـفـيـــــة ؟! "



الإيمان بالغيب يجعلنا ندرك بعدا آخر للكون فوق أبعاده المكانية والزمانية ..

فإن كانت أبصارنا وحواسنا تدرك الزمان والمكان ، فبالبصيرة التى محلها القلب ندرك البعد الخفى للأشياء ، ونرى قيمتها الحقيقية فى هذا البعد ووزنها فى ميزان الله ..

وكم من الأعمال العظيمة تدركها حواسنا ، وهى فى ميزان الله وفى هذا البعد _من حيث النيّة والإخلاص_ لاقيمة لها ووضيعة ،
والعكس بالعكس والنصوص فى ذلك كثيرة ...

وعلى ذلك يخطئ من يحصر حركة الإنسان فقط فى أبعاده المرئية والزمانية ، فالإيمان بالغيب يدعونا لإدرك كنه حركته الصاعدة والهابطة فى هذا البعد الخفى ، التى تكون بقدر ما يرفعه إيمانه أو تحط خطاياه من منزلته ..
صعودا وارتقاءً ومحبةً لله وقربا ، أو نزولا وتسافلا ومقتا من الله وبعدا ...
درجات ومراتب لكل منها حظها من السعادة ، تزداد مع الترقى والصعود ، وتقل تدريجيا مع البعد والسقوط ، حتى تصل فى القاع لدركات الضنك والتعاسة والعياذ بالله ..

وكما نرى فى أبعاد عالمنا المرئى من بذل الجهد فى صعود الدرج وتحمل المشقة من أجل ذلك ، علينا أيضا إن أردنا الإرتقاء فى مراتب العبودية مع هذا البعد الخفى بذل الجهد وتحمل المشقة ..
وليس فى الهبوط بالطبع على كافة الأبعاد المرئية كانت أم الغيبية ، بذل أى جهد أو مشقة ،
فليس الهبوط  كالصعود ، وليس الترقى كالسقوط ، ولكن يظل دائما فى الترقى السعادة وفى السقوط الضنك والشقاء ..

فنحن نبذل قصارى الجهد ونتحمل المشاق من أجل أن نسعد ونرتقى ، نراه جليّا فى حركة كل من أراد بسعيه الدنيا ،
وللسعى للآخرة يكون بذل الجهد وتحمل المشاق هو المطلوب وهو الأَولى ، كى ننال السعادة الحقيقية الدائمة دنيا وآخرة ،

بينما التفريط والوهن طريق الشقاء والتعاسة دائما ، سواء كان فى فقر من فرّط فى السعى للدنيا ،
أو حياة الضنك التى هى عين الشقاء لكل من تخاذل فى سعيه للآخرة ( نعوذ بالله من ذلك ) ،

تلك كانت مقدمة ضرورية مع الأبعاد الخفية حتى نفهم بعد ذلك ما حقيقة الإبتلاء ؟ ولما كان الأنبياء هم أشد الناس بلاءً ثم الأمثل فالأمثل ، وإذا أحب الله عبدا ابتلاه ،
وهذا ما سنناقشه بشيئ من التفصيل فى المرات القادمة بمشيئة الله ..

الأحد، 17 يناير 2016

" تروس فى عجلة الحياة "


لا نستطيع التوقف عن الحركة ، ولا التوقف عن التفكير .. هكذا خُلقنا ! ..
وطبيعى ليس كل ما نفعله جيدا ، وأن لدينا من الأعمال السيئة الكثير ،
ولكنها تظل أعمالا سيئة نعلم أنها سيئة وباب التوبة مفتوح ،
أفضل بكثير من آخريين داوموا على فعلها متوهمين صوابها ، بل وينتظرون المكافاءة والتقدير على فعلها ،
 

هؤلاء ( الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا )
الذين نعتهم خالقهم _وهو الأعلم بحالهم _ بعد كل ما اجتهدوا فى فعله وعاشوا من أجله .. بالأخسرين أعمالا ..!!
يَجتهدون .. يُفكّرون .. يكافحون ، ثم أين هى أعمالهم فى ميزان العليم الحكيم ؟ ... هـبـــاءً منـثــــورا .. !!
(وَقَدِمْنَا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورا )


# هب أن أحدهم اضطرته الظروف ليذهب إلى خراط ماهر ،
مثلا ليخرط له ترسا صلبا بدلا من ترس ماتوره المتهالك ،
ثم يفاجأ بعد طول إنتظار أنه بدلا أن يعطيه ترسه المطلوب ، أعطاه ترسا لا يطابقه شكلا ، أو فى سياق آخر أعطاه نفس الشكل ولكن من مادة رديئة كالألمونيوم لاتتحمل العمل الشاق داخل الماتور ..!!
هل سيأخذه منه ؟ .. أو يعطيه ثمنه ، حتى لو جاءه وجبينه يتصبب عرقا ويقسم له بأغلظ الأيمان ، كم تفنّن فى صناعته وبذل فيه الكثير من الوقت والجهد ؟! ..


الإجـابـــة مـعـروفـــــة ..
فكيف نرضى للخالق عزّ وجل ما لا نرضاه لأنفسنا ؟! ..
كيف نرضى أن يكلفنا المولى بمهمة محددة على الأرض لها وقت محدد ، ثم نرجع إليه بغير ما طلبه منا شكلا وموضوعا ، بل وننتظر منه عزّ وجل أن يتقبله منا ويكافئنا عليه ؟! ..


فما خُلقت الحياة إلا بإتزان دقيق ، ولكل مخلوق دوره المحدد فيها ووظيفته التى يبرع فيها ، ويحقق من خلالها تكامله المنشود مع ما حوله من الكائنات ،
تدور معه عجلة الحياة فى سلاسة وانتظام ..
( والسماء رفعها ووضع الميزان .. ألا تطغوا في الميزان )


والإنسان مثله مثل جميع المخلوقات ، له دور يعمل كعمل الترس فى عجلة الحياة ،
له مكانه المحدد ، ووظيفة بمواصفات حددها الشرع ،
من حيث طبيعة الهدف والإخلاص ،
تختل عجلة الحياة وتضطرب تماما إن اختلفت النيّة وجاء بعكسها تبعا لهواه .. ؟!


( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس )
فما نراه من كوارث كالتلوث ، والإحتباس الحرارى ، والإختلال البيئى وغيرها من الأزامات ، ماهى إلا نتيجة طبيعية لسوء استخدام الإنسان للموارد الطبيعية ، لإختلاف النيّة والإصرار على مخالفة الشرع ، وتحكيمه لهواه ؟! ..


فليس العبرة فى أن تكافح أو أن تكدح .. لكن السؤال فيما تكافح وتكدح ، وهل عملك هذا يطابق المواصفات التى حددها ورسمها الشرع .. أم لا ؟ ..
أم تريد أن يصبح عملك كترس فالت يدور فى الفراغ ، غير مطابق للمواصفات ، يعمل على إختلال و إضطراب منظومة الحياة ... نسأل الله السلامة ..

السبت، 16 يناير 2016

" وجعلنا بعضكم لبعض فتنة "


( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا )
كان موسى عليه الصلاة والسلام حين كان هناك فرعون .. وكان محمد صل الله عليه وسلم سيدنا وحبيبنا حين كان هناك أبو جهل وأبو لهب ..!!
 

فارتقاء أولو العزم من الرسل لسلم العبودية بما فيهم سيد الخلق وأعبدهم لله رب العالمين ، ما كان إلا بوجود فطاحل وأكابر المجرمين !!!
فكأنما هؤلاء المجرمين _الذين هم أهون الخلق على الله _لم يُخلقوا إلا كوسيلة للوصول إلى الله والتعرّف عليه ، واستخراج العبوديات الكامنة من عباده ...
( وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون .. ) ... (ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض ) ..


فالرحمان لا يخلق إلا خيرا .. سواء كان خيرا فى ذاته أو خُلق ليكون خيرا لغيره ..
فما تراه شرا ( لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ) يستخرج به المولى عزّ وجل من الخيرات ما لا يستخرجه بغيره ، وتُفَتَّح به من أبواب الرحمة ما لم تُفْتَح من قبل ..


ومن الصبر والتصبر تأتى المعرفة ، تتعلّم لتعرف ، والتعلّم يحتاج إلى صبر ..
هكذا خلقت الدنيا ، فعامل الوقت ركن أساسى فى الخلق والله قادر أن يخلق الكون كله بكن فيكون .. ولكن هناك وقت ، وهناك تعلّم ، وهناك صبر ..
فنرى لطف الله فى قدره ، ونلجأ إلى المولى لدفعه ، ونستشف حكمته فى تدبيره ، ونتعرف على نعمته فى معافاته لنا من البلاء ..
وكم من العبوديات من إنابة وتضرع وتوكل واستعانة ومحبة تُستخرج من قلوب المؤمنين ، وتمضى بهم من مقام إلى آخر من مقامات المعرفة تحت نار الإبتلاء ..
من مقام العلم إلى العين حتى تصل بهم إلى حق اليقين .. كما بينا سابقا


فسبحان من تودد لعباده بالعطايا والنعمّ ، وما ابتلاءه إلا منحٌ لعبادهِ وليس بمحن ، فالخير كله بيديه ، والشر ليس إليه .. سبحانه.
والعبرة فى بلوغ المؤمنين الغاية فى المعرفة ، وشدة الإنكسار والتذلل والمحبة لخالقهم ، التى يترتب عليها قمة رضا العبد وسعادته ..
فلا تكون نار الإبتلاء إلا بردا وسلاما على قلب المؤمن ، وما يصيبه من أهل النار من أذى وبلاء إلا وقودا يدفعه إلى أعلى المراتب ..


نحن لا نتكلم هنا عن ألم اللحظة وضيق الموقف فهذا واقع لامحالة
( إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما )
، ولكن نتكلم على ما يبقى ويمكث فى القلب من الرضا بعد زوال لسعة البلاء وانقشاع سموم دخانه ..
بل حتى أثناء لحظة نزول البلاء والإكتواء بناره ، يتنزل اللطف معه فيخفف منه..


ولازال هناك الكثير والكثير فى تلك المسألة .. نسأل الله المعين أن ييسر لنا سردها .. وإلى مزيد من التفصيل فى المرات القادمة بإذن الله ..

الجمعة، 15 يناير 2016

" المعرفة ومقامات العبودية "


إذا تساءلنا على ماذا نبحث طوال حياتنا ؟ اعتقد أن لن تخرج الإجابة عن كلمة واحدة يقولها جميع البشر بإختلاف مشاربهم وألوانهم وألسنتهم ..... نبحث عن السعادة ..!!
 

أكيد كل منا يبحث عن السعادة ، وإن كانت السعادة نحصلّها بالمحبوبات ، والحب هو طريقنا للسعادة ، فالمحبة الحقيقية التى ينتج عنها الرضى الكامل والطمائنينة ، لن نجدها إلا فى معيّة من كان له الكمال كله وكمال الجمال ،
الحىّ الذى كل ما عداه إلى فناء ..
الكريم الذى وهب لنا الحياة لنعيش فى كنف محبته سعداء ..


وإن كانت المحبة طريقنا للسعادة ، فالمعرفة هى الطريق إلى المحبة ، كما ان المحبة طريقنا للمعرفة ..
فكلما إزدادنا معرفة بالله إزدادنا محبة ، وكلما إزدادنا محبة تعرفنا على الله أكثر ..


وبنور البصيرة نتعرّف ، نور فى قلب المؤمن تتكشف له الحقائق ..
( والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا ) .. نور نتدبر به أيات الله سواء كانت فى كتابه أم فى كونه ، عكس من طمست بصيرتهم ولا ينتفعون بآياته ويمرون عليها صما وعميانا ..
( وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون )
 

فالغافل لايرى إلا ببصره ولايدرى إلا بما تلتقطه حواسه ، بينما المؤمن يرى ببصيرته حيث يعاين بقلبه ما لا تراه حواسه ..
حيث يشاهد آثار أسماء الله وصفاته ، ويتدرج فى معرفته بربه ويرتقى فى طريق المحبة والسعادة ..


وللمعرفة بأسماء الله وصفاته ثلاث درجات ، يماثلهم فى مقام العبودية أيضا ثلاث مراتب ، أعلاهم وأسعدهم الأكثر تذللا ومحبةً وانكسارا ..
فليس من علم وآمن بشيئٍ من أسماء الله وصفاته ، كمن شاهد وعاين أثارها فى الكون و على خلقه ،
ولا كل من علم أو عاين كمن استشعر تجليات أسماء الله وصفاته فى شئون حياته اليومية وخصوصياته ..


فاللطيف كمثال وهو اسم من أسماء الله الحسنى ..
ليس من آمن به وتعلمه فى كتابه ، كمن شاهد وعاين كيف لطف الله بأحد من خلقه ،
ولا كل من علم أو شاهد أيضا ، كمن استشعر بمعيّة الله له وكيف نجاه هو شخصيا بلطفه ..


فالأولى تدرج العبودية فيها تحت علم اليقين ، والثانية مقام عين اليقين ، والثالثة ألا وهى حق اليقين ..

ولتلك المقامات فى العبودية والتدرج فيها كانت الحكمة وراء خلق الإنسان ، الذى أحب له الكريم سبحانه السعادة ، وأراد أكثر البشر لأنفسهم الشقاء والتعاسة ..

تلك كانت مقدمة ضرورية لتكملة ما أثارناه سابقا عن الحكمة وراء خلق النار وأهلها ..
يسّر الله لنا ذلك فى المقالة القادمة بإذن الله ..

الخميس، 14 يناير 2016

" أحـــــلام الــفــراولــة "


يُحزنّى كثيرا رؤية الشباب وهو يتطلّع إلى المستقبل ، ولا تجد فى مخيلته إلا مقارنة بين وضعين كل منهما أفشل من الآخر ، ويجعل أحدهما هو منتهى أمله ورجاءه .. !!
 

فهو للأسف لايعرف شيئا عن تاريخه ، ولا يعى حقيقة دينه ، وقد فتن ببريق الغرب ولم يذق طعم الحياة فى جحيمه .. ؟!
وتجده يقارن بين وضع فاسد يعيشه فى وطنه ، وآخر بائس يتطلّع إليه مع الهجرة إلى بلاد الغرب ، حيث المادية الصرفة فى حيا
ة بلا أى روح أو طعم أو معنى ..

نعم هم سبقونا ونحن تخلفنا ، هم بلغوا القمة فى العلم والإدارة والنظافة ، ونحن بلغنا الحضيض فى الجهل والفوضى والقذارة ..
ولكن ستظل دائما المقارنة بين نموذجين ليس هم الجديرين بالجنس البشرى ..
 

رأسمالية متوحشة تسحق البشر فى الغرب وتسلبهم أغلى ما يمتلكون من قيم روحية ،
وآخرى عندنا فى الشرق من نظم استبدادية تقمعهم وتسلبهم حريتهم ، وتفسد عليهم معايشهم ، وتضللهم عن حقيقة قيمهم الروحية ..
جسد بلا روح فى الغرب ، ولا روح ولا جسد عندنا فى الشرق ..


يذكرنى هذا بما كان يجرى معنا فى آخر الثمانينيات ، حين ظهرت لنا لأول مرة مع التطبيع ثمرة الفرولة الكبيرة الجميلة ذات الحَمَار اللامع ، ولكنها كانت بلا طعم ..،
وكيف كان يجرى التفاضل بينها وبين ثمرة الفراولة البلدى ( الطعمة المعفنة ) التى لا تستطيع أكلها من فسادها وكثرة العفن ..


فهل آن لنا الأوان أن ندع كل هذا ونبحث عن ثمرة جديدة طعمة وطازجة ، تجمع بين ديناميكية العلم وروح الإيمان ، وقيم الدين والأخلاق فى الأدارة والنظام ، ومجتمع عادل قائم على التكافل والمحبة والوئام ..
وأن يوضع كل منا فى مكانه الصحيح ، حسب الكفاءة وليس بالوسطة والمحسوبية ،
ولعل فى هذا الأخير سر تقدم الغرب رغم توحشه المادى ، وتفشى حب الذات فيه والأنانية ، التى ما كانت لتدير نظاما مجتمعيا لولا كفاءة الإدارة وانضباطها ، ووضع كل فرد فى مكانه الصحيح حسب كفائته ..


فهل آن لنا الأوان .. أشك والله أعلم ؟! .. فيبدو الطريق مازال _ إن أخلصنا _ طويـــــــــــــــل .. نسأل الله حسن الخاتمة .

الأربعاء، 13 يناير 2016

" حـقـيـقــــة الـبـــاطــــــل "


الله عزّ وجل ليس كمثله شيئ له الكمالات كلها وكل ما عداه مخلوق ناقص يفتقر له ، ويرزق من فضله وإنعامه ..
 

فالمخلوقات فقيرة لغنىّ ، ضعيفة لقوىّ ، ضالة لمن يهديها ، متعدية لمن يقومها ويضبط مسار حركتها ..
فالقيّومية لله فى ملكه من الربوبية ( الله لا إلَٰه إلا هو الحى ّ القيّوم ) ، وهى تتجلى فى تسيير شئون مملكته ، و تدبير أرزاق خلقه ..
وعبوديتهم له هى حقيقة وجودهم ، لإفتقارهم الدائم وحاجتهم لخالقهم ..


تلك المقدمة هامة لبيان لماذا هناك باطل فى الوجود ،
فالباطل هو نقص فى المخلوق أمام تفرد الخالق بالحق ، مثل ضلاله إذ لم يهديه ربه ، وضعفه وفقره إذ لم يحفظه ربه ويرزقه ،
وكما يبسط الله الرزق لعباده وهو خير حافظا لهم وأرحم الراحمين ،
فهو يقذف بالحق على الباطل ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون )
وهذا من تمام قيّومية الله على عباده ، ودوام افتقارهم له ..

( .. يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أُطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي إنكم تخطئون بالليلِ والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم ، ..... ) .. حديث قدسى

نسأل الله القبول والمغفرة .. وسنكمل بمشيئة الله فى المقالة القادمة ما علاقة الأمانة بدفع الباطل وما حقيقة الاستخلاف فى الأرض ...

الثلاثاء، 12 يناير 2016

" دس الـعـســل فى السُــم "


المناهج المنحرفة تُوضع بين طياتها مسحة من الحق لجذب الأتباع و دعوتهم للإيمان بها ، و لسهولة تقبلهم لما تحتويه من إنحرافات و عورّ ومعتقدات باطلة ...

فالحق المنزّل من عند ربك كالعسل الخام المصفّى ، إذا اُخذ منه ولو القليل للتحلية ، يجعل الشراب الكريه ذو الرائحة النتنة مستساغ لمن أراده من أهل الهوى ويطلبه ، مهما أزكمت الأنوف فساد روائحه !! ..
فمن يتصفح كتب الشيعة الروافض ،أو المعتزلة ، أو عباد القبور من الصوفية ، أو حتى دعاة علمنة الإسلام معتنقى الديمقراطية والإشتراكية أو أى من المذاهب المستوردة الباطلة ..
يجد فيض من الضلالات والأكاذيب مع قليل من الحق يخلطونه معه خلطا ويصبونه فى أجواف أتباعهم ،
فلا نقول حينئذا دس السُم فى العسل ، بل نقول دس العسل فى السُم ..!!
فحلاوة الحق تذهب بمرارة الباطل عند أهله و تُسْكِرهُم بعشقه .. !!
 

ولا يعنى هذا أبدا أنهم ضحايا لكبرائهم و غير مدانين بجرمهم ، حين اتبعوا مناهج منحرفة ما أنزل الله بها من سلطان ..؟!
بل الحق كل الحق ما شهد به رسول الله _صل الله عليه وسلم _ عليهم حين حذر أمة الإسلام منهم ، ومبينا أنهم يسيرون على نفس خطى من سبقهم من الأمم :_

( وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي . )

فالحق هو الحق .. وحدة واحدة علينا أن نأخذه كله ، وليس أن نجزئه أو نخلطه مع غيره ،
( ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون )


والباطل مذاهب ومناهج شتى كيفما أردت أن تخلطها بمسوح من الحق وتشكلها ..
( وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون )


وأن لله الحجة البالغة فلا يعذب أحد حتى يرسل إليه بالأيات تلو الأيات والنذر ..
ولكن أنّى لهم أن ينتفعوا بها وهم معرضون عنها معاندون ( وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ) ..


فأى جهل لدى العوام والأتباع وقد انتشرت وسائل الإتصال الحديثة بين الناس ، فلم يعد هناك حق مستتر لا يراه إلا الخواص ..
ولكنه عور النفوس وإعوجاجها ، وإيثارها للحياة الدنيا عن الآخرة ، يدفعها دفعا لتتبع كل جيفة منتنة من زبالة المللّ والمناهج وأفسدها ،
مهما زينوها وسكبوا على رمتها من المسك ودهنوا جلدها بالعسل ، فهى جيفة منتنة ...!!

نسأل الله العفو والعافية ...
فبادر بالنجاة بنفسك وليكن إخلاصك هو دليلك ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ) ..