الأربعاء، 10 فبراير 2016

" القلب وقصر الحكم "


لا أصدق أن ماسنناقشه اليوم كان مفترض أن يكون مكانه فى مقدمة البحث الخاص عن النفس ، وليس فى نهايته وختام الحديث فى تلك المسألة .. ؟!
ولكنها تجربة جديدة وطريقة مبتكرة لتقريب وشرح المسائل لم نعهدها من قبل ، أرجو أن تكون حققت الهدف منها وكانت مجدية ...

سنتكلم اليوم عن ( قصر المُلك ) فى الانسان وكرسى العرش ، الكعب العالى المسئول عن كل صغيرة وكبيرة فى إدارة حياتك الشخصية .. ؟ّ!
منه تخرج القرارات .. وإليه ترد التقريرات من الجوارح والحواس أفراد الرعية .. ويهيمن عليه دستور الحكم ويحكم فيه بالمنهج الذى تعتنقه .. وفيه تحدد الأهداف والقيم التى لابد أن تسعى لتحقيقها الرعية .. ؟!

كلامنا اليوم عن ( القلب ) قصر الحكم الذى يحوى كرسى العرش بداخل كل واحد منا ،
ان صلح صلحت الرعية ، وان فسد والعياذ بالله ضلّت الرعية ، فالرعية على دين ولى أمرها ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله, ألا وهي القلب )

لا نتكلم هنا عن مجرد قطعة لحم صنوبرية الشكل تعمل كمضخة للدم ، نتكلم عن دماغ النفس ونقطة اتصالها بالجسد ،
فإن أجمع العلماء الكلام على أهمية القلب الذى تكنه الصدور، ودوره الرئيسى فى كيان الإنسان وانه محل النية والتكليف ، فهذا يجعلنا نرجح بشدة أن تلك المضخة هى نقطة اتصال الروح ( النفس ) بالجسد ، ويوجد فيها دماغ النفس وقصر الحكم وكرسى العرش .. !!

ولن يستطيع العلم الحديث أبدا أن يثبت ذلك أو ينفيه ، لأنهم ببساطة لا يعلمون ماهى الروح أصلا !! وكيف يستدلون على وجودها بالتقنيات الحديثة ، وستظل دائما وأبدا خارج نطاق العقل البشرى لا يدركون منها إلا أثارها ، أما كنهها ومكانها فلا ..!!
(ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )

• ودماغ النفس جزء من كيانها ، كما ان العقل الذى فى الرأس هو جزء من الجسد ،
• وهى أهم ما فى النفس ووحدة التحكم ، كما ان العقل الذى فى الرأس هو أهم مافى الجسد ووحدة التحكم فيه ،
• وللنفس كيان يسرى فى سائر الجسد كسريان الكهرباء فى المصباح ، ولكن نقطة الاتصال هى القلب الذى فى الصدر، كما ان نقطة الاتصال بين المصباح والكهرباء ( الدواية ) ..
ونستدل على سريان كيان النفس فى سائر الجسد بحديث خروج الروح فى جزءه الأخير حين تنادى الملائكة على روح الكافر لتخرج (فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب. قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود -الكثير الشعب- من الصوف المبلول، -فتقطع معها العروق والعصب- )

• ثم نأتى بعد ذلك لصلب الموضوع ووصف قصر الحكم بما فيه من كرسى العرش ، وغرف القصر وحجراته :_
مع التذكير بأن ثنائية النفس والجسد يقابلها فى النفس ثنائية آخرى ألا وهى ثنائية العقل والمشاعر ،
وكما إن النفس لا تنفك أبدا عن الجسد إلا قليلا ( عند قبض الروح ) ، كذلك لا توجد نفس تخلو من المشاعر أبدا أو الإدراك ،

# وقصر الحكم يحتوى على جناحين رئيسيين على يمين وشمال العرش يمثلا ثنائية النفس التى تكلمنا عنها ، لكل منهما عدد من الغرف :_
• جناح عقل القلب ؛ وله روابط مع العقل الذى فى الرأس وحواس الجسد الخارجية ، ويحوى غرف للذاكرة والأرشيف ونمط التفكير والذكاء والمنطق كما لدى العقل فى الرأس تماما ، مع الأخذ فى الإعتبار ان عقل الرأس والحواس هما وسيلته لإدراك العالم الخارجى والتفاعل معه ( راجع ما شرحناه سابقا ) ..
• ثانيا جناح الوجدان والمشاعر ؛ ويحوى غرف للغرائز والميول والطباع وأخيرا الفطرة ، فما الفطرة إلا مستودع المشاعر النبيلة والقيم المثالية العليا التى أودعها الله فى قلب كل واحد منا ، وهى الضمير ووازع الخير فى مقابل لمة الشيطان ووساوسه ..
• ثم نأتى لكرس العرش الذى من تربع عليه دانت له بقية الأعضاء من الرعية ، وهو كرسى الإرادة الحرة الذى تميز به الإنس والجن عن سائر الكائنات ، وهو محل النية ، وموطن الأمانة أو الخيانة ، وعين التكليف ..
• ثم نأتى للملك الحاكم لتلك المملكة ؛ هل هو الهوى ( العاطفة ) أم العقل والمنطق ؟! وهى سجال تختلف فيه الغلبة بحسب كل واحد منا ، بل تختلف أيضا باختلاف الأحوال والأوقات داخل الشخص الواحد ..
• ثم دستور المُلك وهو المعتقد والمنهج الذى يهيمن على كرسى الحكم سواء كان ربانيا أم وضعيا وضعه الهوى ، والقيم هى الأهداف المنبثقة من دستور الحكم التى يسعى لتحقيقها جاهدا كل من بيده زمام الحكم ويجلس على كرسى الإرادة ( راجع ما شرحناه سابقا ) ..
• والقلب السليم هو القلب الذى دان فيه الحكم للعقل بتزاوجه مع الفطرة ، وكان شرع الله دستوره ، وخضع فيه الهوى والرعية من الحواس والجوارح لأحكامه ...
• بينما القلب المنكوس هو القلب الذى دان فيه الحكم للهوى ، وكان شرع الهوى الموضوع دستوره ، وخضع فيه العقل والرعية من الحواس والجوارح لأحكامه ...
• وأخيرا الإنسان قادر بإرادته الحرة التى وهبها الله له من ترشيد الغرائز فلا اسراف ولا تفريط ، كما يمكنه أيضا من تزكية نفسه وحملها على الطباع الحميدة والتخلق بها ، والتخلص من الطباع السيئة الموروثة ..
• وفى المقابل يمكنه أيضا بإرادته الحرة التى وهبها الله له من اطلاق العنان لغرائزه والطغيان والخروج عن كل فطرة ومنطق ...
نفعنا الله وإياكم بهذا الحديث وتقبل الله منا ومنكم ، واسأل الله العلىّ الكريم ان أكون وفيت الكلام عن النفس حقه ، وجانبنى الزلل أوالشطط .. وجزاكم الله خيرا ..