السبت، 28 فبراير 2015

"مابين الخـشـية والمحـبـة"

 محبة الله ليست كأى محبة فهى ترتقى بالعبد لمرتبة العبودية حيث هى أسمى مراتبها ، وهى الغاية وراء خلقه (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) ومصدر السعادة الأبدية ،
ورغم ذلك لا نجد لفظ المحبة مجردا فى القرآن والسنة إلا قليلا جدا ؟! بينما نجد فى المقابل الحث على تقوى الله التى تعنى مخافة الله وخشيته تملئ الخطاب الدينى كله !! فلـمـــاذا ؟!

----------------
الآجابة على هذا السؤال الهام تكمن فى شقين .. الشق الأول والله المستعان :-
تحقيق العبودية لله لا تنحصر فى المحبة فقط .. فالعبودية أشمل وأكبر من المحبة فهى تحوى مخافة الله واجلاله .. كما تحوى رجاء ما عند الله ورضوانه ..
 

والمحبة فقط دون تعظيم قدر الله والخشوع لرهبته واجلاله تُورث الاستهانة والفسوق حتى التجرؤ على مقامه ؟!! ..
ألم يدّعى النصارى المحبة ونسبوا لله زورا الصاحبة والولد !!! ..
ألم يدّعى غلاة الصوفية المحبة وأهملوا بل تركوا بالكلية الفرائض والتكاليف ، مثلهم مثل عصاة المسلمين حين ادعوا المحبة زورا وبهتانا وهم قائمين على الفجور والمعاصى !! ...


فالمحبة كما ألفناها ترفع التكاليف والحدود بين المحبّين ، وحين تقتصر العلاقة بين العبد وربه على المحبة ؛ تكون مدعاة لغرور العبد بمحبته ظنا أنه أصبح لله ندا !!
ولكم فى حال أبليس مع الله عز وجل عبرة ، فقد كان أقرب الخلق لله قبل فسوقه وطرده من رحمته !!..
 

--------------
وبهذا ننهى الشق الأول لننتقل للشق الثانى من الاجابة :-
علّمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وما ينطق عن الهوى (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه ) وفى حديث آخر (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما .. )
 

فمحبة الله ورسوله تُقدّم على محبة النفس وهواها ، ارتقاءً بالعبد من ايمانه المجمل إلى حقيقة الإيمان وكماله ، الذى فيه سعادة الداريين والنجاة من المحاسبة والعذاب !! ..

ولكن حين يمتلئ القلب بمحبة النفس وهواها فأنى له أن يترك موطئا فيه لمحبة الله ورسوله ؟! ( ما جعل الله لرجلٍ من قلبين في جوفه) ..
 

فلابد للنفس أن تتراجع فاسحة المجال أمامها لمحبة الله ورسوله لتحل مكانها .... ولن يتأتى هذا إلا بتقوى الله وخشيته ؟!..

فحين تعلم النفس قدرها ومدى فقرها أمام عظمة الملك وسلطانه ، وتعلم كونها مخلوق عاجز ضعيف مهما امتلكت من حطام الدنيا (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى .. وأن سعيه سوف يُرى .. ثم يجزاه الجزاء الأوفى .. وأن إلى ربك المنتهى ) ..
حين تستشعر كل ذلك تتضائل وتخشع وتخرّ سُجّدا لله فاسحة المجال أمامها واسعا ، لتمتلئ القلوب حينها بمحبة ربها ..


(الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ) الانفعال من خشية الله تسبق لين القلوب بالمحبة ، فبخشية الله تتحطم النفوس الحاجزة بين القلوب و المحبة ..

ولذلك نجد كثيرا الحديث عن تقوى الله وخشيته ، لما فى ذلك من تنبيه العباد لطرق الوصول لمحبته عوضا عن ذكر لفظ المحبة مجردا ..

ونختم هنا بلطيفة تؤكد صحة ما ذهبنا إليه .. ان المولى عز وجل حين ذكر لفظ المحبة مجردا ذكره فى موضع ليس للنفس فيه نصيب ( ..يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله .. ) حيث اكتملت المحبة و بلغت العبودية منتهاها ببذل النفس رخيصة فى سبيل الله ...

نسأل الله ان يديم علينا نعمته وان يُبصّرنا و يرزقنا خشيته والله الموفّق وبه نستعين ...