هناك من اختزل الشرع فى الحدود !! فهل شرع الله حقا مجرد تطبيق الحدود
؟! وان كان غير ذلك فما هى الشريعة وما يجب على المسلمين تجاهها ؟!..(لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ..)
بعث الله عز وجل الرسل لهداية البشر وتبصرهم بأمور دينهم ودنياهم ، والحرص على بناء الفرد والمجتمع على أسس فكرية ونفسية سليمة قائمة على التكافئ والتكامل والتعاون بين أفراد المجتمع ،و نبذ روح الفرقة و الخلاف و البعد عن المظالم ....
فماذا فعل البشر ؟!! نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وسنّوا من الشرائع ما يتناسب مع أهوائهم !! فانتشرت المظالم وعمّ الفساد وكثرت الحروب والقتل بين البشر !!!! ..
(.. . ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) ..
فمن أدرى بخلقه منه ؟! فهو كما رزقهم سبحانه وساق لهم مافيه صلاح أبدانهم ، أنزل اليهم فى شرعه ما يصلح أحوالهم ،
وعندما نتكلم هنا عن الشريعة فإننا نعنى بذلك الأسس والدعائم والأعمدة التى شُيدت عليها مبانى الأمة بكل ما تحمله من أفراد وتوجهات وأفكار ، ومقومات عمل وانتاج وقوة ...
(أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم ... )
لبنتها الأولى هو الفرد المسلم وصلاحه من متانة بنيانها ، وعلاقته بالآخريين وشدة التصاقه بمتطلباتهم وهمومهم واحتياجاتهم من صلب بناء الأمة وقوتها ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ، وشبك بين أصابعه ) .. حديث
فعلاقتك بوالديك من الشريعة ( وبالوالدين إحسانا.. ) ، وعلاقتك بأبنائك و زوجتك من الشريعة (استوصوا بالنساء خيرا .. ) .. حديث شريف ، وعلاقتك بأهلك أيضا و الأرحام شريعة ...
بل وعلاقتك بجارك سواء القريب أو البعيد من الشريعة (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ) .. حديث شريف
علاقتك بضعفاء المسلمين والفقراء وكفالتهم ، واخوّتك لعموم افراد المسلمين شريعة ..
حتى علاقتك بالمستأمنيين من أهل الذمة فى ديار الاسلام شريعة (... أن تبروهم وتقسطوا إليهم ) ..
هل توقفت الشريعة عند ذلك ؟! كلا ..حتى أعداء الأمة فعلاقتك بهم من صلب الشريعة ولها تفصيلات فى كتب الفقه سواء وقت السلم أو الحرب ،
علاقتك بالحيوان شريعة (في كل كبد رطبة أجر ) .. حديث شريف ،
علاقتك بالأرض والنبات شريعة (ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة ) .. حديث شريف ،
علاقتك بالعمل والانتاج شريعة (من بات كالا من عمل يده بات مغفورا له ) .. حديث شريف ،
علاقتك بالمال شريعة بداية من الحصول على المال الحلال إلى كيفية وأوجه انفاقه ،
معاملات البيع والشراء شريعة ، الفرق مابين التجارة والربا شريعة (وأحل الله البيع وحرم الربا ) ...
وتلك الحقوق والوجبات تُؤدى على سبيل العبادة منها ماهو التزام شخصى ، ومنها ما تتكفل به الدولة من الحفاظ على أدائها و صيانتها وردع كل من تسول له نفسه لخرقها والخروج عنها ..
وما الحدود الشرعية إلا وسيلة تقوم بها الدولة للحفاظ على مصالح العباد وحقوقهم .. فهى كالسياج الآمن المحيط بالأمة من كل جوانبها يحفظ لها كيانها و نهجها و مبانى شريعتها ....
وبعد تعرفنا على ماهية الشريعة وكونها لاتنحصر أبدا فى مجرد تطبيق الحدود بل تشمل كل ما يحلّ لنا أن نفعله والمأموريين به فى جميع نواحى الحياة ، فالسؤال التالى فما الواجب على المسلمين اذا إزائها ؟!! ..
(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم .... )
فما من سبيل أمام من رضى بالله ربا وبالاسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا إلا اتباع الشرع فهو تكليف من رب العباد لعباده ، وهى الأمانة التى حملها الانسان ..
( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ) ...
فهم طريقان لا ثالث لهم اما اتباع شرع الله عبادةً لله وأداءً للأمانة ... واما اتباع ما يُشرعه الهوى مخالفةً لأمر الله وخيانةً لتلك الأمانة ..
( ... واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ) وكل شرع يخالف جزئيا أو كليا شرع الله فهو مردود وهو من اتباع الهوى ..
ثم يأتى هنا تحذير الملك العابر للعصور مذكرا بعاقبة المتلاعبين بشرعه وشريعته ..
( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزىٌ فى الدنيا ويوم القيامة يُردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ) .. نسأل الله أن نكون ممن التزموا شرعه وحَفِظوا الأمانة ...
وختاما يحضرنى هنا حديث خير الأنام وما ينطق عن الهوى كى نتحسس موقعنا اليوم ونعرف أين نقف ( ... وما لم تحكُمْ أئمَّتُهم بكتابِ اللهِ تعالَى ويتخيَّروا فيما أنزل اللهُ إلَّا جعل اللهُ بأسَهم بينهم ) صدق رسول الله صل الله عليه وسلم .
